فصل: فصل: (في ذكر شروط عَقْد الذِّمَّةِ الْمُؤَبَّدَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل: [في ذكر شروط عَقْد الذِّمَّةِ الْمُؤَبَّدَةِ]:

وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ الذِّمَّةِ الْمُؤَبَّدَةِ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ:
(الْأَوَّلُ) أَنْ يَلْتَزِمُوا الْجِزْيَةَ فِي كُلِّ حَوْلٍ.
(الثَّانِي) الْتِزَامُ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ قَبُولُ مَا يَحْكُمُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَدَاءِ حَقٍّ أَوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ: «فَادْعُهُمْ إِلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ». وَلَا تُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الْإِعْضَاءِ وَلَا جَرَيَانُ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ إِعْطَاءَ الْجِزْيَةِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَالْكَفَّ عَنْهُمْ فِي ابْتِدَائِهِ عِنْدَ الْبَذْلِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا} أَيْ: يَلْتَزِمُوا الْإِعْطَاءَ، وَيُجِيبُوا إِلَى بَذْلِهِ، كَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ (5)} وَالْمُرَادُ بِهِ الْتِزَامُ ذَلِكَ دُونَ حَقِيقَتِهِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا عِنْدَ الْحَوْلِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ».

.مسألة: [فيمن لا تقبل منه الجزية]:

قَالَ: (وَمَنْ سِوَاهُمْ فَالْإِسْلَامُ أَوِ الْقَتْلُ).
يَعْنِي مَنْ سِوَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ، وَلَا يُقَرُّونَ بِهَا، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إِلَّا الْإِسْلَامُ فَإِنْ لَمْ يُسَلِمُوا قُتِلُوا، هَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَرَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ ثَوَابٍ أَنَّهَا تُقْبَلُ مِنْ جَمِيعِ الْكَفَّارِ إِلَّا عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ بُرَيْدَةَ يَدُلُّ بِعُمُومِهِ عَلَى قَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ إِلَّا أَنَّهُ خَرَّجَ مِنْهُ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ؛ لِتَغَلُّظُ كُفْرِهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) دِينُهُمْ (وَالثَّانِي) كَوْنُهُمْ مِنْ رَهْطِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ، لَكِنْ فِي أَهْلِ الْكُتُبِ غَيْرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِثْلِ أَهْلِ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَشِيثَ وَزَبُورِ دَاوُدَ وَمَنْ تَمَسَّكَ بِدِينِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَأَشْبَهُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقْبَلُ مِنْ جَمِيعِ الْكُفَّارِ إِلَّا الْعَرَبَ؛ لِأَنَّهُمْ رَهْطُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا يُقَرُّونَ عَلَى غَيْرِ دِينِهِ وَغَيْرُهُمْ يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ يُقَرُّ بِالِاسْتِرْقَاقِ فَأُقِرُّوا بِالْجِزْيَةِ كَالْمَجُوسِ، وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُقْبَلُ مِنْ جَمِيعِهِمْ إِلَّا مُشْرِكِي قُرَيْشٍ؛ لِأَنَّهُمُ ارْتَدُّوا، وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهَا تُقْبَلُ مِنْ جَمِيعِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ جَابِرٍ لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ، وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ فَيُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ كَأَهْلِ الْكِتَابِ.
وَلَنَا قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [9: 5] وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَهَذَا عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ أَهْلُ الْكِتَابِ بِالْآيَةِ وَالْمَجُوسُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَمَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ يَبْقَى عَلَى قَضِيَّةِ الْعُمُومِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَهْلَ الصُّحُفِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ. اهـ..
اسْتِدْلَالُهُ بِعُمُومِ الْمُشْرِكِينَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ كَمَا تَقَدَّمَ، فَالْحَقُّ الْمُخْتَارُ أَنَّ قَبُولَ الْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ حَتْمٌ وَعَدَمَ قَبُولِهَا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ حَتْمٌ، وَمَا عَدَاهُمَا فَمَوْكُولٌ إِلَى اجْتِهَادِ أُولِي الْأَمْرِ، كَسَائِرِ الْمَصَالِحِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ. وَمِقْدَارُ الْجِزْيَةِ اجْتِهَادِيٌّ أَيْضًا بِشَرْطِهِ.

.اسْتِطْرَادٌ فِي حَقِيقَةِ مَعْنَى الْجِهَادِ أَوِ الْحَرْبِ وَالْغَزْوِ وَإِصْلَاحُ الْإِسْلَامِ فِيهَا:

الْجِهَادُ كَلِمَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْحَرْبِ عِنْدَ بَقِيَّةِ الْأُمَمِ بِمَعْنَى كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَصْلَحَةٌ مِنْ مَصَالِحِ الدَّوْلَةِ الْعَامَّةِ لَهَا أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ، وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ الْأَعَمِّ، وَهِيَ مَصْدَرُ جَاهَدَ يُجَاهِدُ مُجَاهَدَةً وَجِهَادًا كَقَاتَلَ يُقَاتِلُ مُقَاتَلَةً وَقِتَالًا، فَهِيَ صِيغَةُ مُشَارَكَةٍ مِنَ الْجُهْدِ وَهُوَ الطَّاقَةُ وَالْمَشَقَّةُ، كَمَا أَنَّ الْقِتَالَ مُشَارَكَةٌ مِنَ الْقَتْلِ، قَالَ الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ: وَالْجِهَادُ وَالْمُجَاهَدَةُ اسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ فِي مُدَافَعَةِ الْعَدُوِّ. وَالْجِهَادُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ، مُجَاهَدَةُ الْعَدُوِّ الظَّاهِرِ. وَمُجَاهَدَةُ الشَّيْطَانِ، وَمُجَاهَدَةُ النَّفْسِ. وَتَدْخُلُ ثَلَاثَتُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [22: 78] و{وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ} [9: 41] و{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ} [8: 72] وَقَالَ صلى الله عليه وسلم جَاهِدُوا أَهْوَاءَكُمْ كَمَا تُجَاهِدُونَ أَعْدَاءَكُمْ وَالْمُجَاهَدَةُ تَكُونُ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ. قَالَ صلى الله عليه وسلم: «جَاهِدُوا الْكُفَّارَ بِأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ». اهـ.
وَالْجِهَادُ بِالْأَلْسِنَةِ إِقَامَةُ الْبُرْهَانِ وَالْحُجَّةِ.
لَا أَذْكُرُ مَنْ خَرَّجَ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ اسْتَشْهَدَ بِهِمَا الرَّاغِبُ فِي الْجِهَادِ الْمَعْنَوِيِّ، وَفِي مَعْنَاهُمَا أَحَادِيثُ أُخْرَى كَحَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ وَحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ ابْنِ النَّجَّارِ أَفْضَلُ الْجِهَادِ أَنْ يُجَاهِدَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ وَرَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ بِلَفْظِ: «أَنْ تُجَاهِدَ نَفْسَكَ وَهَوَاكَ فِي ذَاتِ اللهِ تَعَالَى». وَحَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الْخَطِيبِ قَدِمْتُمْ خَيْرَ مَقْدَمٍ، قَدِمْتُمْ مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ، مُجَاهَدَةِ الْعَبْدِ هَوَاهُ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ الْجِهَادُ أَرْبَعٌ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالصِّدْقُ فِي مَوَاطِنِ الصَّبْرِ، وَشَنَآنُ الْفَاسِقِ وَغَيْرِهَا. وَإِنَّمَا أَكْثَرْنَا مِنْ هَذِهِ الشَّوَاهِدِ؛ لِأَنَّ الْإِفْرِنْجَ وَمُقَلِّدِيهِمْ وَتَلَامِيذَهُمْ مِنْ نَصَارَى الْمَشْرِقِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْجِهَادَ هُوَ قِتَالُ الْمُسْلِمِينَ لِكُلِّ مَنْ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ، لِإِكْرَاهِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُعَادُوهُمْ، وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا تَقَدَّمَ آنِفًا وَمَا سَنُفَصِّلُهُ بِهِ تَذْكِيرًا بِمَا فَصَّلْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، أَنَّ هَذَا كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمِنْهُ مَا تَقَدَّمَ فِي سُورَتَيِ الْأَنْفَالِ وَالْبَقَرَةِ أَنَّ مِنْ غَايَاتِ الْقِتَالِ فِيهِ مَنْعَ الْفِتْنَةِ فِي الدِّينِ، أَيْ اضْطِهَادَ النَّاسِ لِأَجْلِ إِيمَانِهِمْ وَإِكْرَاهِهِمْ عَلَى تَرْكِهِ، وَقوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [2: 256] وَنَصُّ الْأَمْرِ بِقِتَالِ مَنْ يُقَاتِلُنَا وَيُعَادِينَا فِي دِينِنَا، وَالنَّهْيِ عَنِ الِاعْتِدَاءِ الْمَحْضِ، وَنَصُّ تَفْضِيلِ السِّلْمِ عَلَى الْحَرْبِ، وَوُجُوبِ الْجُنُوحِ إِلَيْهَا إِذَا جَنَحَ الْعَدُوُّ، وَنَصُّ جَعْلِ الْغَرَضِ الْأَوَّلِ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ لِلْقِتَالِ إِرْهَابَ الْأَعْدَاءِ رَجَاءَ أَنْ يَكُفُّوا عَنِ الِاعْتِدَاءِ، وَنُصُوصُ أَحْكَامِ الْمُعَاهِدِينَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَتَحْرِيمِ قِتَالِهِمْ مَا دَامُوا مُحَافِظِينَ عَلَى الْعَهْدِ، وَمِنْ أَعْجَبِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمُسْلِمِينَ غَيْرِ الْخَاضِعِينَ لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، كَالَّذِينِ أَسْلَمُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ فِي عَهْدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [8: 72] وَقَدْ بَيَّنَّا مِرَارًا أَنَّهُ كَانَ مِنْ سِيَاسَةِ الْإِسْلَامِ إِبْطَالُ الْوَثَنِيَّةِ وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَجَعْلِهَا مَوْئِلَهُ وَمَأْرَزَهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا قَاتَلَ مُشْرِكِيهَا إِلَّا دِفَاعًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ.
أَمَّا الْحَرْبُ وَالْقِتَالُ لِمَحْضِ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ، وَالضَّرَاوَةِ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ كَحُرُوبِ بَعْضِ الْمُلُوكِ الْمُسْتَبِدِّينَ وَالْغَابِرِينَ- أَوْ لِغَرَضِ الِانْتِقَامِ وَالْبُغْضِ الدِّينِيِّ كَالْحُرُوبِ الصَّلِيبِيَّةِ، أَوْ لِأَجْلِ الطَّمَعِ فِي الْمَالِ وَسَعَةِ الْمُلْكِ، وَتَسْخِيرِ الْبَشَرِ وَإِرْهَاقِهِمْ؛ لِتَمَتُّعِ الْقَوِيِّ بِثَمَرَاتِ كَسْبِ الضَّعِيفِ كَحُرُوبِ أُورُبَّةَ الِاسْتِعْمَارِيَّةِ فِي هَذَا الْعَصْرِ- فَكُلُّ هَذِهِ الْحُرُوبِ مُحَرَّمَةٌ فِي الْإِسْلَامِ لَا يُبِيحُ شَيْئًا مِنْهَا، لِأَنَّهَا لِحُظُوظِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا، وَمِنْ إِهَانَةِ الدِّينِ الْمُغْضِبَةِ لِشَارِعِ الدِّينِ أَنْ يُتَّخَذَ الدِّينُ وَسِيلَةً لَهَا. وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا بَسَطْنَاهُ مِنْ أَحْكَامِ الْجِزْيَةِ وَعَمَلِ الصَّحَابَةِ بِهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا ذُكِرَ فِي شَيْءٍ، وَأَنَّهَا مَالٌ حَقِيرٌ قَلِيلٌ لَا يُفْقِرُ مُعْطِيهِ، وَلَا يُغْنِي آخِذِيهِ، وَأَنَّ مِنْ شُرُوطِهَا أَنْ تَكُونَ عَنْ قُدْرَةٍ وَسَعَةٍ، وَأَلَّا يُكَلَّفَ أَحَدٌ مِنْهَا مَا لَا يُطِيقُ.
وَأَمَّا كَوْنُهَا عُنْوَانَ الدُّخُولِ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَقَبُولِ سِيَادَةِ أَهْلِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَكِنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يُبِيحُ لِلْمُسْلِمِينَ شَيْئًا مِنَ الظُّلْمِ وَالْإِرْهَاقِ وَاسْتِنْزَافِ ثَرْوَةِ الَّذِينَ يَقْبَلُونَهُ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ الْأُخْرَى عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ الْمُشَاهَدِ فِي جَمِيعِ الْمُسْتَعْمَرَاتِ الْأُورُبِّيَّةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعَدْلِ وَالْحُقُوقِ وَالضَّرَائِبِ، مَعَ أَنَّ الْمَفْرُوضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ أَكْثَرُ، كَأَنْوَاعِ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَالصَّدَقَاتِ الْمَنْدُوبَةِ، حَتَّى قَالَ الْفُقَهَاءُ: إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ الْمُضْطَرِّ مِنْ ذِمِّيٍّ وَمُعَاهَدٍ، إِذَا لَمْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ لَهُ بِهَا مِنْ قَرِيبٍ وَغَيْرِهِ. وَإِنَّمَا زَادَ بَعْضُهُمْ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمَكْسِ مِنَ الذِّمِّيِّينَ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِرُبُعِ الْعُشْرِ فِي مُقَابَلَةِ الزَّكَاةِ. وَمَعَ هَذَا يَقُولُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ لَا يَجِبُ بَدْءُ الْحَرْبِيِّينَ بِالْقِتَالِ لِأَجْلِ الْجِزْيَةِ وَالدُّخُولِ فِي حُكْمِنَا، إِذَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ آخَرُ، خِلَافًا لِمَنْ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا وَاجِبٌ فِي الْإِسْلَامِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا يَرَاهُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ.
وَقَدْ لَخَّصَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ أَقْوَالَ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ فِي حُكْمِ الْجِهَادِ- الَّتِي يَحْتَجُّ بِبَعْضِهَا هَؤُلَاءِ الْقَلِيلُو الِاطِّلَاعِ- فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: (بَابُ وُجُوبِ النَّفِيرِ وَمَا يَجِبُ مِنَ الْجِهَادِ وَالنِّيَّةِ) فَذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ الْكَلَامَ فِي حَالَيْنِ: زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا بَعْدَهُ، فَأَمَّا زَمَنُهُ فَالتَّحْقِيقُ مِنْ عِدَّةِ أَقْوَالٍ: أَنَّ وُجُوبَهُ فِيهِ كَانَ عَيْنًا عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَقِّهِ.
وَأَمَّا بَعْدَهُ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ كَأَنْ يَدْهَمَ الْعَدُوُّ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ الْإِمَامُ (أَيِ الْأَعْظَمُ) وَيَتَأَدَّى فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِفِعْلِهِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبْ بَدَلًا عَنْهُ، وَلَا تَجِبُ فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ اتِّفَاقًا فَلْيَكُنْ بَدَلُهَا كَذَلِكَ، وَقِيلَ: يَجِبُ كُلَّمَا أَمْكَنَ وَهُوَ قَوِيٌّ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ اسْتَمَرَّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَنْ تَكَامَلَتْ فُتُوحُ مُعْظَمِ الْبِلَادِ وَانْتَشَرَ الْإِسْلَامُ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ، ثُمَّ صَارَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ جِنْسَ جِهَادِ الْكُفَّارِ مُتَعَيِّنٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِمَّا بِيَدِهِ، وَإِمَّا بِلِسَانِهِ، وَإِمَّا بِمَالِهِ، وَإِمَّا بِقَلْبِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ. اهـ.
فَعُلِمَ مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَسْأَلَةِ جِهَادِ الْعَدُوِّ بِالسَّيْفِ إِجْمَاعٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا فِي حَالِ اعْتِدَاءِ الْأَعْدَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَحِينَئِذٍ إِذَا أَعْلَنَ الْإِمَامُ النَّفِيرَ الْعَامَّ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ، وَإِذَا اسْتَنْفَرَ بَعْضَهُمْ كَالْجُنْدِ الْمُرَابِطِ وَالْمُتَعَلِّمِ وَغَيْرِهِمْ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ، فَإِنَّهُ يُطَاعُ فِي الْوَاجِبِ الْكِفَائِيِّ كَالْوَاجِبِ الْعَيْنِيِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي: وَيَتَعَيَّنُ الْجِهَادُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: (الْأَوَّلُ) إِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ وَتَقَابَلَ الصَّفَّانِ إِلَخْ. (الثَّانِي) إِذَا نَزَلَ الْكُفَّارُ بِبَلَدٍ تَعَيَّنَ عَلَى أَهْلِهِ قِتَالُهُمْ وَدَفْعُهُمْ. (الثَّالِثُ) إِذَا اسْتَنْفَرَ الْإِمَامُ قَوْمًا لَزِمَهُمُ النَّفِيرُ مَعَهُ. اهـ. بِدُونِ ذِكْرِ الْأَدِلَّةِ. وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْأَوَّلِ فِي تَفْسِيرِ {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} [8: 15] وَأَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ إِذْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ هُمُ الْمُعْتَدِينَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ} [8: 60] أَنَّ الِاسْتِعْدَادَ لِلْحَرْبِ وَاجِبٌ عَلَى الْحُكُومَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، كَمَا هُوَ الْمَعْلُومُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ جَمِيعِ دُوَلِ الْأَرْضِ، وَأَنَّ الْغَرَضَ الْأَوَّلَ مِنْ هَذَا الِاسْتِعْدَادِ إِرْهَابُ عَدُوِّ اللهِ، وَهُمْ كُلُّ مَنْ يُقَاوِمُ دِينَهُ وَيَمْنَعُ نَشْرَهُ وَيَضْطَهِدُ أَهْلَهُ، وَعَدُوُّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي يُعَادِيهِمْ وَلَوْ لِغَيْرِ دِينِهِمْ كَالطَّمَعِ فِي بِلَادِهِمْ، وَالضَّرَاوَةِ بِاسْتِعْبَادِهِمْ؛ لِيَخْشَوْا بَأْسَهُمْ فَلَا يَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ، فَإِنِ اعْتَدَوْا لَمْ يَجِدُوهُمْ ضُعَفَاءَ وَلَا عَاجِزِينَ.
وَالْمَعْلُومُ مِنْ تَارِيخِ الْبَشَرِ أَنَّ الْحَرْبَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ، أَوْ أَكْبَرُ مَظْهَرٍ وَأَثَرٍ لِسُنَّةِ تَنَازُعِ الْبَقَاءِ، وَتَعَارُضِ الْمَصَالِحِ وَالْمَنَافِعِ وَالْأَهْوَاءِ، وَلاسيما أَهْوَاءُ الْمُلُوكِ وَالرُّؤَسَاءِ، رُؤَسَاءِ الدِّينِ وَرُؤَسَاءِ الدُّنْيَا، بَلْ هِيَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ بَعْضِ الْحَشَرَاتِ الَّتِي تَعِيشُ عِيشَةَ التَّعَاوُنِ وَالِاجْتِمَاعِ كَالنَّمْلِ، فَهُوَ يَغْزُو وَيُبِيدُ وَيَسْتَرِقُّ وَيَسْتَخْدِمُ رَفِيقَهُ فِي خِدْمَتِهِ وَتَرْفِيهِ مَعِيشَتِهِ وَغَزْوِ أَعْدَائِهِ، وَعُلِمَ مِنَ التَّارِيخِ أَيْضًا أَنَّ شُعُوبَ أُورُبَّةَ أَشَدُّ الْبَشَرِ ضَرَاوَةً وَقَسْوَةً فِي الْحَرْبِ فِي أَطْوَارِ حَيَاتِهَا كُلِّهَا مِنْ هَمَجِيَّةٍ، وَوَثَنِيَّةٍ، وَنَصْرَانِيَّةٍ مَذْهَبِيَّةٍ، وَصَلِيبِيَّةٍ، وَمَدَنِيَّةٍ مَادِّيَّةٍ. وَمِنْ عُلَمَائِهِمْ وَفَلَاسِفَتِهِمُ الْغَابِرِينَ وَالْمُعَاصِرِينَ مَنْ يَرَى مَنَافِعَ الْحَرْبِ الْعَامَّةِ فِي الْبَشَرِ أَكْبَرَ مِنْ مَضَارِّهَا، وَإِنْ كَانَ الْخَسَارُ فِيهَا عَامًّا شَامِلًا لِلْغَالِبِينَ وَالْمَغْلُوبِينَ، وَلَا تَزَالُ جَمِيعُ دُوَلِهِمْ تُنْفِقُ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ لَهَا فَوْقَ مَا تُنْفِقُ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ مَصَالِحِ الدَّوْلَةِ وَالْأُمَّةِ، وَتُرْهِقُ شُعُوبَهَا بِالضَّرَائِبِ لِأَجْلِهَا، فَوْقَ مَا تَسْتَنْزِفُهُ مِنْ ثَرْوَةِ مُسْتَعْمَرَاتِهَا وَمَا تَقْتَرِضُهُ بَعْدَ هَذَا وَذَاكَ مِنَ الدُّيُونِ الْفَاحِشَةِ، هَذَا مَعَ عِلْمِ كُلِّ أَحَدٍ مِنْ سَاسَتِهِمْ، وَعُلَمَائِهِمْ بِسُوءِ نِيَّةِ كُلِّ دَوْلَةٍ، وَعَدَمِ انْتِمَائِهَا لِلْأُخْرَى. وَعِلْمِ كُلٍّ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ لَوْلَا سُوءُ النِّيَّةِ، وَفَسَادُ الطَّوِيَّةِ، لَأَمْكَنَ الِاتِّفَاقُ سِرًّا وَجَهْرًا عَلَى مَا يَقْتَرِحُهُ فُضَلَاءُ الْعُقَلَاءِ مِنْ تَقْلِيلِ الِاسْتِعْدَادِ لِلْحَرْبِ الَّذِي كَثُرَتْ أَسْبَابُهُ، وَاتَّسَعَتْ بِالِاخْتِرَاعَاتِ أَبْوَابُهُ، حَتَّى صَارَ خَطَرًا عَلَى الْبَشَرِ وَحَضَارَتِهِمْ وَعُمْرَانِهِمْ يُخْشَى أَنْ يُدَمِّرَ أَكْبَرَ مَمْلَكَةٍ مِنْ أُورُبَّةَ، وَيُبِيدَ أَهْلَهَا فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ، وَهُمْ عَلَى هَذَا كُلِّهِ لَا يَزْدَادُونَ إِلَّا غُلُوًّا فِيهَا. وَلَوْ أَنَّهُمُ اهْتَدَوْا بِالْإِسْلَامِ- الَّذِي صَارَ وَاأَسَفَاهُ مَجْهُولًا حَتَّى عِنْدَ أَهْلِهِ- لَاهْتَدَوُا الطَّرِيقَ، وَوَجَدُوا الْمَخْرَجَ مِنْ هَذَا الْمَضِيقِ.
وَقَدْ كَانَ مِنْ إِصْلَاحِ الْإِسْلَامِ الْحَرْبِيِّ مَنْعُ جَعْلِ الْحَرْبِ لِلْإِكْرَاهِ عَلَى الدِّينِ، أَوْ لِلْإِبَادَةِ، أَوْ لِلِاسْتِعْبَادِ الشَّخْصِيِّ أَوِ الْقَوْمِيِّ. أَوْ لِسَلْبِ ثَرْوَةِ الْأُمَمِ، أَوْ لِلَذَّةِ الْقَهْرِ وَالتَّمَتُّعِ بِالشَّهَوَاتِ. وَمِنْهَا مَنْعُ الْقَسْوَةِ كَالتَّمْثِيلِ، وَمَنْعُ قَتْلِ مَنْ لَا يُقَاتِلُ كَالنِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ وَالْعُبَّادِ، وَمَنْعُ التَّخْرِيبِ وَالتَّدْمِيرِ الَّذِي لَا ضَرُورَةَ تَقْتَضِيهِ. وَلَا تَزَالُ هَذِهِ الْفَظَائِعُ كُلُّهَا عَلَى أَشُدِّهَا عِنْدَ دُوَلِ أُوْرُبَّةَ إِلَّا اسْتِبْعَادَ الْأَفْرَادِ بِاسْمِ الْمِلْكِ الشَّخْصِيِّ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَجْتَنِبُونَهُ مَعَ بَقَاءِ اسْتِعْبَادِهِمْ لِلْأَقْوَامِ وَالشُّعُوبِ عَلَى مَا كَانَ، فِي نِظَامٍ وَدَسَائِسَ يُقْصَدُ بِهَا إِفْسَادُ الْآدَابِ وَالْأَدْيَانِ. وَقَدْ بَيَّنَ شَيْخُنَا الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ صِفَةَ الْحَرْبِ الْإِسْلَامِيَّةِ مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى حُرُوبِهِمْ بِقَوْلِهِ فِي رِسَالَةِ التَّوْحِيدِ:
ضَمَّ الْإِسْلَامُ سُكَّانَ الْقِفَارِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَى وَحْدَةٍ، وَلَمْ يَعْرِفْهَا تَارِيخُهُمْ، وَلَمْ يُعْهَدْ لَهَا نَظِيرٌ فِي مَاضِيهِمْ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَلَّغَ رِسَالَتَهُ بِأَمْرِ رَبِّهِ إِلَى مَنْ جَاوَرَ الْبِلَادَ الْعَرَبِيَّةَ فِي مُلُوكِ الْفُرْسِ وَالرُّومَانِ، فَهَزِئُوا وَامْتَنَعُوا، وَنَاصَبُوهُ وَقَوْمَهُ الشَّرَّ، وَأَخَافُوا السَّابِلَةَ، وَضَيَّقُوا عَلَى الْمَتَاجِرِ، فَغَزَاهُمْ بِنَفْسِهِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِمُ الْبُعُوثَ فِي حَيَاتِهِ، وَجَرَى عَلَى سُنَّتِهِ الْأَئِمَّةُ مِنْ صَحَابَتِهِ، طَلَبًا لِلْأَمْنِ وَإِبْلَاغًا لِلدَّعْوَةِ.